في غمرة حمى الأبحاث والدراسات الطبية حول الشيخوخة وبلوغ مقادير عالية في عدد
سنوات العمر، يتجه كثير من الباحثين إلى دراسات علمية أعمق للآليات التي تتم من
خلالها «عملية الهرم».
والهرم حالة من جملة عمليات حيوية متى ما بدأت من الصعب إزالة تأثيراتها لكن من
الممكن وقفها أو إبطاؤها. وهذا هو الأساس الذي تجري دراسات العلماء والباحثين
عليه.
ومن المعلوم طبياً أن الحد من تناول أطعمة عالية المحتوى من طاقة السعرات
الحرارية (كالوري) سبب في رفع احتمالات بلوغ الإنسان عمراً مديداً وفسيحاً في عدد
سنواته.
لكن لا يزال الباحثون يجهلون الآليات الحيوية والكيميائية على مستوى الخلايا
ورموز جيناتها والعمليات الكيميائية الدائرة رحاها في أجزاء الخلية نفسها.
وفي هذا الجانب كان الباحثون من جامعة هارفارد بالولايات المتحدة قد أعلنوا ضمن
عدد 21 سبتمبر من مجلة «الخلية» العلمية أن ثمة مركبين كيميائيين في أحد أجزاء
الخلية يعملان على حماية الخلايا من الدخول في مرحلة الهرم والشيخوخة، ما يحمي
الخلية من تدهور فرصها للحياة.
وأشار الباحثون، من مختبرات أبحاث الشيخوخة بجامعة هارفارد، إلى أن هذين
المركبين موجودان في جسيمات الميتوكوندريا mitochondria داخل تراكيب الخلية
الداخلية. والمعلوم أن الميتوكوندريا حجيرات صغيرة في الخلية، وتجري فيها عمليات
إنتاج الطاقة.
وفقد هذه الجسيمات وتدهور أدائها لوظائفها، السبب الأكبر في هرم وشيخوخة الخلية.
وما وجده الباحثون هي الجينات التي تتحكم في إنتاج مادتين كيميائيتين تقومان بالجزء
الأهم من العمل في ورشة الميتوكوندريا. كما اكتشف الباحثون عقارين واعدين يهدفان
إلى إبطاء عملية شيخوخة الخلية.
والجينات التي يتحدث عنها هؤلاء الباحثون هما اثنان من مجموعة جينية تُدعى
سيرتين sirtuins مكونة من سبعة جينات، وما يدور حولهما الحديث في الدراسة هذه
يُدعيان سيرت-3 SIRT3 وسيرت-4 SIRT4.
والبروتينات التي تُنتج تحت تأثيرهما تعمل كحراس للمحافظة على صحة الخلية.
وتحديداً عرف الباحثون بأهميتهما بالقول إن الخلية قد تكون ميتة، لكن إذا ما تم
تنشيط الميتوكوندريا وجينات سيرتين فإن الخلية سوف تحيا.
وقال الباحثون إن العمل على تنشيط هذين الجينين، بالذات، كيميائياً، فإن من
«الممكن» إبطاء موت الخلايا في حالات مثل ألزهايمر أو السكري أو السرطان أو غيرها،
ما قد يكون من «الممكن» سبباً في إطالة عمر الخلية.
والواقع أن ثمة تجارب إكلينيكية على عقار لتنشيط أحد الجينات الأخرى في هذه
المجموعة الجينية، ستبدأ تطبيقات تجارب استخدام البشر له بداية العام المقبل. وهذا
العقار موجه لتنشيط جين سيرت-1 SIRT1.
وقصة هذا العقار أعلنت عنها الشركة المنتجة، من كمبريدج في ماساشوستس، في 28
نوفمبر الماضي ضمن الضجة الإعلامية حول عقار مستخلص من النبيذ الأحمر لمعالجة مرض
السكري.
والأمر في هذا العقار لا علاقة له بالكحول من قريب أو بعيد، بل هو حول إحدى
المواد الكيميائية الشبيهة في التركيب لاحدى المواد المضادة للأ*دة الموجودة في
النبيذ الأحمر وأيضاً في عصير العنب الأحمر الخالي من الكحول.
وهذه المادة الموجودة في العنب هي مادة ريسفيراترول resveratrol ، والعقار
المُقترح أقوى منها بما يزيد عن 1000 مرة.
ويقول الباحثون من هارفارد، والمشاركون في التجارب العلمية لهذا العقار، انه على
حد علمهم فهذا أول عقار مضاد للشيخوخة سيتم استخدامه على البشر. ووصفوا التجارب
بأنها معلم رئيسي major milestone في تطور الطب.
والفائدة المرجوة إكلينيكياً من تناول هذا العقار هي تجاوز الحاجة إلى تقليل
المرء، وعلى وجه الخصوص مرضى السكري، من تناول أطعمة قليلة المحتوى من السعرات
الحرارية.
ومعلوم أن إحدى استراتيجيات معالجة مرضى السكري هي حثهم على تقليل كالوري وجبات
طعامهم اليومي لأن ذلك سيتطلب توفير كميات أعلى من الأنسولين. ونقص كمية الأنسولين
في الجسم، أو فقده بالكلية، هو السبب في ظهور أعراض مرض السكري، كارتفاع نسبة سكر
الدم وغيره.
وكان قد سبق عرض جوانب تتعلق بالنبيذ وعصير العنب، وأن عصير العنب الطبيعي يحتوي
على المواد المفيدة لصحة القلب وغيره من أعضاء الجسم، وهي التي ينسبها البعض خطأً
للنبيذ حصراً.
ومما تم عرضه آنذاك أن مما هو ملاحظ في السنوات الماضية الحديث عن عمل مركب
ريسفيراترول على المستوى الجيني للوقاية من تكوين مركبات كيميائية ضارة على
الشرايين وأيضاً في التأثير الصحي المباشر على خلايا عضلات القلب نفسها.
وهو أحد مركبات فلافونويد في العنب، التي تعمل على نفس طريقة أدوية مثبطات تحول
أنزيم أنجيوتنسين 2 angiotensin II، وتستخدم شريحة واسعة جداً من مرضى القلب
وارتفاع ضغط الدم هذه الأدوية.
وهي لا تعمل على خفض ضغط الدم فحسب بل للحفاظ على بنية صحيحة لعضلة القلب خالية
من الترسبات التي تعيق قوة انقباضها وسهولة ارتخائها، ما يعني رفع قدرات الضخ لعضلة
القلب وتخفيف حدة التضخم لها.
كما أن الحديث العلمي اليوم هو عن دور مركب ريسفيرترول، ودوره في تحسين تدفق
الدم، وتناغم حصوله إلى الدماغ.
وكانت مجلة كيمياء الغذاء والزراعة الأميركية قد نشرت في أبريل من العام الماضي
نتائج تُؤكد دور تناول هذه المادة الموجودة في العنب وفي الفول السوداني على خفض
نسبة الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة تتجاوز 30%.
وكانت مجلة التغذية الأميركية قد نشرت في أغسطس من عام 2005 نتائج دراسة مدى
استفادة النساء من تناول عصير العنب وليس النبيذ تحديداً كما قال الباحثون.
وقالوا بأن تناول مطحون الزبيب المجفف بكمية 36 غراما يومياً الممزوج
بالماء، لمدة أربعة أسابيع، هو أمر له فوائد جمة، على حد وصفهم، للقلب لدى النساء
الذين أعمارهم تقارب أو تتجاوز سن اليأس.
وشملت العناصر الإيجابية خفض نسبة الكولسترول الخفيف الضار، وخفض نسبة الدهون
الثلاثية في الدم، وخفض نسبة مركبين كيميائيين يعملان على تسهيل تضرر الشرايين
بالكولسترول.
وذكروا مجموعة من المواد الكيميائية التي تتسبب بهذه التأثيرات الإيجابية
والموجودة في العنب. لكنهم أكدوا على أن أهم التأثيرات في مجال الكولسترول هي التي
تنتج عن مركب ريسفيرترول.