في منتصف الثمانينيات عاشت
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أكبر أزمة في تاريخها الطويل الذي امتد لأكثر من
مائة عام، حيث تقلص عدد الأفلام من مائة وخمسين فيلما في العام، في عصر ازدهار
السينما، إلى عدد ضئيل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، حتى أصبحت عملية اختيار فيلم
مصري لتمثيل مصر في المهرجانات العالمية والمحلية عملية صعبة للغاية.
وظهرت وقتها تقليعة سينمائية غير مسبوقة وهي ما تم التعارف عليه بأنها أفلام
المقاولات.
وسر هذه التسمية يكمن في ضعف ميزانية إنتاجها وأبطالها من نجوم الدرجة الثالثة..
ومن هنا يضمن المنتج ربحاً مادياً مهما صادف هذه الأفلام من فشل جماهيرى، بالضبط
مثل مقاولات البناء، والتى عادة ما تكون مضمونة الأرباح.
ثم توارت هذه الظاهرة وبدأت السينما المصرية تستعيد عافيتها من جديد، بفضل جيل
الكوميديانات الجدد، ونجاح فيلم محمد فؤاد ومحمد هنيدي "اسماعيلية رايح جاي"، والذي
تبعه النجاح الساحق لفيلم هنيدي "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وبدء عودة الجماهير
مرة أخرى إلى دور السينما، وظهور جيل كامل من نجوم الكوميديا الجدد مثل الراحل علاء
ولي الدين، ومحمد سعد وأحمد حلمي، وهاني رمزي، وأحمد عيد، والذين تناوبوا الجلوس
على القمة.
فبعد أن احتل هنيدي قمة الايرادات لسنوات، جاء محمد سعد وأزاحه عن موقعه بفيلم
"اللمبي" ، ثم "اللي بالي بالك" و"بوحة" و"كتكوت"، حتى سبقه أحمد حلمي وصار هو كلمة
السر في الايرادات.
لكن يبدو أن الارتفاع الخرافي في أجور هؤلاء النجوم، ومعهم نجوم الاكشن والدراما
مثل أحمد السقا وهاني سلامة وأحمد عز وكريم عبدالعزيز، دفع المنتجين للاستعانة
بالوجوه الجديدة، ليس فقط في التمثيل ولكن أيضاً في الاخراج والكتابة وبقية عناصر
صناعة الافلام، وقدموا بالفعل أفلاماً جيدة، مثل "أوقات فراغ"، لكنهم قدموا أيضا
أفلاما كثيرة سيئة، مهدت الطريق لعودة الافلام ذات الميزانيات الضعيفة ولقيمة
الفنية المحدودة أو أفلام المقاولات مرة أخرى.
ومن هذه الأفلام فيلمان يعرضان حاليا وهما
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] وعلقة موت، حيث يتناول الأول موضوعاً سطحياً يتعلق
بعمليات التجميل التي انتشرت مؤخراً بشكل لافت للنظر، وقد صاغ الفيلم دراميا
السيناريست خالد حمودة، و كان يمكن له أن يجعل منه فيلماً هادفاً لو أضاف إليه قضية
أكثر أهمية من مجرد عمليات التجميل إلى قضية التزوير وازدواجية المعايير في جوانب
الحياة المختلفة، ولكنه آثر أن يكون هدفه محدداً في هذه الدائرة الضيقة التي افتقدت
كل عوامل المنطق المقنع توفيراً لميزانية الإنتاج وقد وجد تجاوباً مع هذا الهدف
القاصر من مخرج الفيلم أحمد البدري صاحب التجربة الطويلة فى إخراج مثل هذه النوعية
من الأفلام السطحية..
أما الفيلم الثانى "علقة موت" فقد أراد له مؤلفه نافع عبد الهادي أن يكون أشبه
بمباريات المصارعة الحرة التي انتشرت مؤخرا في الفضائيات الرياضية على كثرتها والتي
أصابت المشاهدين بالتشبع ليصبح معها البناء الدرامي للفيلم مفتقرا لكل عوامل الجذب
الجماهيري، وإن كان قد تم تغليف أحداث الفيلم بغلاف بوليسي ولكنه أبعد ما يكون عن
الإقناع لما شاب السيناريو من ضعف في رسم الشخصيات وافتعال المواقف بلا منطق مقبول،
فضلا ًعن افتقار أبطال الفيلم إلى موهبة الأداء التمثيلي .
ولعل ما صادفه الفيلمان من فشل جماهيري يكون رادعاً قويا لمنتجي المقاولات لعدم
تكرار إنتاج هذه النوعية من الأفلام.. إن سقوط مثل هذه الأفلام هي شهادة إيجابية
لجمهور السينما المصرية .