كثيرة هي الافلام التي تقدم صورة الأم، ومع ذلك لا يجد الكثيرون شخصيات امهاتهم في
أي من هذه الافلام.
فالغالبية العظمى من امهاتنا لسن ضعفاء ومستسلمات مثل "الست أمينة" في ثلاثية
أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ والتي تحولت الى ثلاثة أفلام أخرجها حسن الامام، وجسدت
الدور خلالها الفنانة القديرة جمالات زايد"والدة معالي زايد".
والغالبية العظمى من امهاتنا لسن كذلك المرأة المتسلطة مثل سناء جميل في بعض
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] والمسلسلات، ولسن المرأة الشعبية مثل فردوس محمد، أو
العصرية مثل ليلى طاهر، ولا نموذج الحزن والتضحية كما شاهدنا الراحلة العظيمة أمينة
رزق في عشرات الافلام.
امهاتنا نساء عاديات جدا مثل ملايين الامهات في بلدنا ممن لا ترى السينما في
حيواتهن ما يستحق أن يروى في دراما تركز فقط على النماذج الشاذة والمتطرفة والشائهة
وتقدمها وكانها حياة كل الناس، لذلك يكرهنا العرب من أفلامنا ويتصور عنا الآخرون ما
ليس فينا بسبب تلك الاعمال الفنية المزيفة.
فرغم التعاطف الشديد مع صورة الام البائسة التي برعت في تجسيدها امينة رزق، الا
أننا نعرف جيدا كمشاهدين، أنها ليست أما حقيقية من لحم ودم، بل هي أم ميلودرامية من
النوع الذي اشتهر الراحل مخرج الروائع حسن الامام بتقديمه لاستدرار الدموع و"شحتفة"
المشاهد.
لكنها في النهاية صورة مصنوعة من أجل العرض على الشاشة، مثلها مثل صورة الام
التي تتقمص شخصية جيمس بوند وشارلوك هولمز وترتدي الجينز والاستريتش و"تهبل"
الرجال، وأقصد الامهات اللاتي تجسد يسرا ونادية الجندي والهام شاهين أدوارهن على
الشاشة، وهن امهات فولاذيات أحيانا ومنحرفات في غالب الاحيان!.
والحقيقة أن الأم العاملة الصحفية والطبيبة والموظفة والمدرسة والمهندسة ليست
أيضا كما تقدمها هؤلاء النجمات المتصابيات، ونحن نعرف جيدا ايضا أن ما يقدمونه عنها
ليس سوى اعمال مؤلفين يستسهلون تقديم النماذج الجاهزة والمعلبة.
والسينما المصرية ظلمت الام بهذا الفصل التعسفي بين الأم البلهاء والأم القاسية
و المنحرفة .. ولا شئ في المنتصف .. لا شئ عادي أو طبيعي في حياة الناس يستحق أن
يحكى أو يحاكى.
وعموما فهذه هي عادة الدراما المصرية التي أتمنى أن تعدمها فلا الفلاح على
الشاشة هو الفلاح الذي نعرفه، ولا الصعيدي هو الصعيدي، ولا الجزار لا يزال يرتدي
الجلباب الملطخ بالدماء ويرفع الساطور في وجوه الناس، ولا الحرفيين يتحدثون
ويتصرفون مثلما يتصرف ويتكلم السباك والميكانيكي والنجار في الافلام والمسلسلات،
ولا الصحفيين كما نراهم في السينما، ولا الأطباء عادوا يقولون لأحد إنهم عملوا ما
عليهم والباقي على الله كما اعتدنا أن نشاهده في أعمالنا الفنية التي لا تمت للواقع
بصلة.
ولا أعرف لماذا يصر كتاب السيناريو على هذه القوالب الجامدة وهذا التنميط
والتزييف للواقع والشخصيات و الى متى سيستمر ذلك؟!