تغير الزمن كثيرا.. ولم يعد صراع البشر-فى وقتنا الحالى- كماكان فى أى وقت أخر.
صراع البشر الاهم ، ولعله الصراع الاشهر ، والاكبر ، والاكثر انتشارا هو الصراع فى ملاعب كرة القدم ، وماحولها..هو صراع يحيط بالكرة الارضية..إحاطة السوار بالمعصم!!
ولست أبالغ حين أقول أن الدنيا كلها الان ، لاتعرف من الصراع ، والتنافس ، والتسابق الشرس ، الا الصراع على التفوق ، والفوز فى الكرة ، وليس هناك ماو أبرز من "حمى" تصفيات كأس العالم ، التى تلف أرجاء الكرة الارضية فى الاتجاهات الجغرافية الاربع.. والتى بدت لى فى لحظة ، وكأنها حرب كبرى..أوحرب عالمية ، يتعالى لهيبها فى كل ملعب.
فى أفريقيا بدأت مرحلة التصفيات النهائية ، وكانت البداية مدوية فى أكثر من إتجاه..كبارا يخسرون أمام من يحلو للبعض أن يطلقوا عليهم "الفرق الصغيرة"، أوالمغمورة ، وفى أمريكا اللاتينية ، لاتختلف الامور كثيرا ، وأيضا فى أوروبا ، وأسيا..والهدف فى الاساس ، هو الفوز بمقعد فى تلك المناسبة العالمية الكبرى ، التى يعتبر الكل وجودهم فيها شرف لايدانيه شرف أخر..الاأن تكون قوة كبرى فى على المستوى السياسى.. والاقتصادى..وأيضا العسكرى.
إذن يبدو كأس العالم فى عصرنا الحديث ، وكأنه صار البديل الطبيعى للصراع الانسانى ، الذى انطلق مع بداية الخليقة..ولنا فى قصة قابيل وهابيل ، وأول حالة قتل فى التاريخ ، وكانت على الزواج..من أخت أحدهما..رسالة حول محور الصراع.
وبمرور الزمن تبدلت محاور الصراع..فهى مرة على قوت اليوم ، وقد يدور الصراع عليه بين إنسان ، وإنسان ، وأحيان ثانية بين الانسان والطبيعة ، وفى أحيان ثالثة بين الانسان والحيوان.
وجاء زمن أخر..دار فيه الصراع على الارض..بشر تداعبهم أحلام السيطرة على مايملكه الاخر، ولم يكن هناك من وسيلة الا الحرب ، والقتال المسلح ، ومن هنا كان من الطبيعى أن تظهر الامبراطوريات..هنا وهناك ، ولكنها لم تكن لتدوم بحكم دورة الحياة ، ونتيجة لطبائع الاشياء ، التى لاتترك شيئا على حاله ، ولو كان هناك من يقول أن حروب البشر القادمة ستكون على قطرة الماء ، وأن الصراعات فى العقود الماضية ، كانت تركز على الحصول على ثروات الدول الاخرى ، فأن الحرب الحالية صارت حرب كرة القدم ، وهى حرب تتفاعل على كل المستويات ، وتتدرج من أبسط..وأدنى المستويات الى أرقاها ، وأعلاها على الاطلاق ، وأقصد كأس العالم بالطبع.
وفى النظرة المتعمقة للرياضة بشكل عام ، وكرة القدم على وجه التحديد ، هناك من يصفها ب"الحرب البديلة" ، وهى حرب إستبدلت فيها البشرية الاسلحة ، والطائرات ، والدبابات ، والجنود ، بصراع يتجسد فيه الرقى ، والطموح ، والرغبة فى التفوق ، وصارت الساحة فرصة للكل –كبيرا أوصغيرا- لكى يحلم ، ويسعى ، ويحاول أن يحتل مكانا تحت شمس الانتصار ، ويتساوى فى هذا الكبير والصغير ، حتى من لايمتلك المعايير الحقيقية للتقدم لديه الفرصة لكى يستعرض قدرته ، وقوته ، وعظمته ، وفى نفس الوقت الاستمتاع بنشوة الانتصار..ولذة الفوز..وقت أن يتحقق!
وربما أن هذا يفسر لنا لماذا تبدو المنافسة صعبة..وشرسة فى تصفيات كأس العالم..وكذلك نهائياتها؟ وربما أن هذا ، هو الذى لم يحاول أحد أن يضعه فى الاعتبار حتى يأمن شرور المفاجأت ، والفصول الباردة..تماما كما حدث مع منتخب مصر ، الذى هز الاجواء ، وصنع الصدمة للملايين ، عندما تعادل على أرضه مع منتخب زامبيا فى إفتتاح مبارياته فى التصفيات ، مع أن الكل فى مصر-وهم أزيد من 75 مليون- تصور أن الدنيا ابتسمت لهم هذه المرة ، حين أوقعت منتخبهم فى مجموعة ، بدت وكأنها –كما قلت بعد إعلان قرعة التصفيات- لن تسمح له بعدم التأهل ، حتى لو سعى المنتخب لذلك بنفسه!!
كأس العالم ، التى لم تكن كذلك حين انطلقت للمرة الاولى عام 1930 ، صارت حلم الفقير والغنى..أمل القوى والضعيف..هدف الكبير والصغير.. حلم الراغبين فى الظهور على وجه الدنيا من المهمشين..ومسرح الساعين لعرض تقدمهم من الاقطاب ، والفطاحل.
ولو كان هناك من يدرك تلك الحقائق لفعل من أجلها الكثير..ولاحتاط من المفاجات والفصول الباردة..والبايخة!!