[b][i] الضجة الكبيرة التى أثارها بعض أساتذة وطلاب "كلية الفنون الجميلة" ضد فيلم "بالألوان الطبيعية" أثبتت من جديد أننا لم نصل بعد إلى درجة الوعى والنضوج الكافى التى تجعلنا نفرق بين وجهة نظر وعمل فنى لا يمكن تعميمه على الجميع، وبين الفعل الموجه بقصد الإساءة إلى فئة أو أصحاب مهنة معينة.
فحين ثار عمدة قرية "خربتا" ضد أحد أفلام عادل إمام بحجة أنه يستخدم اسم القرية فى الفيلم بطريقة ساخرة ويسىء إلى عمدة القرية، وأهلها، تصدى له النقاد والمثقفون ودافعت المحكمة عن صناع الفيلم، وبرأتهم من تهمة الإساءة المتعمدة.
وهذا هو ما حدث ايضا فى عشرات القضايا والدعاوى التى أقيمت ضد فنانين كثيرين بدعوى الإساءة إلى مهنة المحاماة أو الطب، أو اسم عائلة معينة تطابق بالصدفة مع أسماء شخصيات درامية، أو بدعوى مخالفة قواعد وثوابت فقهية تمثل ظهور أحد الأنبياء فى فيلم "المهاجر" ليوسف شاهين، أو بدعوى الحرص على الآداب العامة كما حدث فى فيلم "للحب قصة أخيرة".
ومعظم هذه القضايا تم حفظها أو الحكم فيها لصالح حرية الفن والإبداع، فيما عدا استثناءات قليلة، كمنع عرض "المهاجر" لفترة محدودة، أو منع فيلمى "درب الهوى" و"خمسة باب" لمدة تقرب من عشر سنوات.
ومع ذلك تظل القضية قائمة وساخنة، وتطل برأسها من وقت لآخر تحت مسميات مختلفة وفى مجالات إبداع متنوعة، فى إتهام شاعر بالإساءة إلى الخالق، لمصادرة مسرحية تتجرأ على الذات الإلهية، ومقاضاة أغنية لأنها تسىء إلى عرف معين، كما حدث مع أغنية هيفاء التى أغضبت اخواننا النوبيين.
وكان اخر هذه القضايا ما يحدث اخيرا مع فيلم "بالألوان الطبيعية" الذى يتهمونه بأنه يسىء إلى كلية الفنون الجميلة وأساتذتها وطلابها وطالباتها.
وأتصور أن الضجة التى أثارها الفيلم ستهدأ بسرعة وخصوصًا بعد أن يشاهد المعترضون هذا العمل السينمائى الجميل - رغم تحفظاتى على جرعة الجنس الزائدة فيه - ويعلمون أن صناعه لم يقصدوا الإساءة لأحد، ولم يزينوا الحقائق ولأن التسرع فى الهجوم على الفيلم بسبب عبارات مقتضبة جاءت فى الإعلان الذى يذيعه التليفزيون وبعض الفضائيات عنه، لا يتفق مع العقل والمنطق الذى يحتم ضرورة مشاهدة العمل الفنى أو الإبداعى قبل الحكم عليه.
وأذكر هؤلاء المقوضين ما حدث مع فيلم "بحب السيما" لنفس مخرج ومؤلف "بالألوان الطبيعية" الذى ثار ضده قطاع من الكنيسة القبطية، وطالبوا بمنع عرضه، واختصموا أصحابه أمام المحكمة، ثم هدأوا تمامًا بعد أن شاهدوا الفيلم، وعرفوا أنه لا يسىء للديانة المسيحية، بل بالعكس، يكشف أوجه القصور فى تفكير بعض المتطرفين والمغالين.
وتحول الفيلم إلى أحد الأعمال السينمائية القليلة الجيدة التى تم إنتاجها فى السنوات العشر الأخيرة، ويحرص الجمهور على مشاهدتها فى كل مرة تعرض فيها على قناة من قنوات التليفزيون المحلى أو قناة فى قنوات السينما الفضائية التى تذيع هذا الفيلم كثيرًا بسبب إقبال الناس على مشاهدته وحبهم له.
وأعتقد أن فيلم "بالألوان الطبيعية" سيحقق نفس النجاح بعد عرضه فى التليفزيون مع حذف بعض المشاهد الجنسية التى لا لزوم لها سوى مغازلة جمهور السينما، وحتى يتحقق ذلك، أرجو ممن يهاجمون الفيلم أن يترفقوا قليلاً بفريق العمل الموهوب جدًا الذى شارك فى تقديم فيلم صادق وجميل ومهم.