حين صعد الرئيس الأميركي باراك أوباما لاستلام جائزة نوبل للسلام، استغل كلمته للدفاع عن فكرة أن بعض الحروب التي جرت كانت ضرورية وعادلة، كما عمد إلى تذكير العالم بأن الولايات المتحدة احتملت عبئا في حروبها ضد الطغيان، وطالب في الوقت نفسه العالم ببذل المزيد من الجهد لإحلال السلام.
حاول أوباما في كلمته التطرق إلى التناقض الواضح للموقف كون أنه يتسلم جائزة نوبل للسلام باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة للدولة التي تُصعِّد حربها في أفغانستان ولا تزال تقاتل في العراق فقال «علينا أن نبدأ الاعتراف بالحقيقة الصعبة: إننا لن نستطيع القضاء على النزاعات المسلحة في حياتنا. ستكون هناك أوقات تجد فيها الدول -سواء كانت تعمل بمفردها أو بتناغم واتفاق- أن استخدام القوة ليس ضروريا فحسب بل مبرر أخلاقياً».
وجمعت كلمة أوباما عقب تسلمه الجائزة مزيجاً من الواقعية والمثالية، حيث انتقد ضمنا كل من القس الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن لأنه لا يقدر الأخطار التي تحيق بالعالم، وكذلك الرئيس الأميركي جورج بوش الذي أسرع في تنحية القيم الأميركية الأساسية خلال مسعاه لتحقيق الأمن.
كما تبنى أوباما مفهوم استثناء أميركا -وهي الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة لديها دور خاص بوصفها المدافع عن الحرية- حتى وهو يدعم التعددية. بهذه الطريقة، واصل أوباما النمط الواضح الذي تمسك به طوال حياته المهنية العامة، النمط الذي يفضل البراغماتية على المطلقات.
يمثل خطاب أوباما أوسع إعلاناته عن مذهبه في السياسة الخارجية، حيث ألقاه في حفل بقاعة بلدية أوسلو عاصمة النرويج أمام جمهور من الأوروبيين ظل متشككا في القوة الأميركية، وكذلك تابعه الأميركيون عن كثب ليشهدوا كيف سيتعامل أوباما مع استلام الجائزة التي اعترف هو ذاته بأنه لا يستحقها حتى الآن.
لكن أوباما حرص على التواضع وهو يعلن قبوله الجائزة قائلاً إن هناك آخرين يستحقون الجائزة أكثر منه، مشيراً إلى أن «إنجازاته طفيفة» ولكنه يقبل الجائزة مع التأييد القوي لمكانة أميركا في العالم.
وأضاف أوباما «أياً كانت الأخطاء التي ارتكبناها فإن الحقيقة الواضحة هي أن الولايات المتحدة ساعدت في الحفاظ على أمن العالم لأكثر من 6 عقود بدماء أبنائنا وقوة أسلحتنا».
استغرق خطاب أوباما في الحفل 36 دقيقة (استكمل أوباما والمساعدون كتابته أثناء رحلة الطيران التي أقلتهم من واشنطن)، وحمل العديد من الإشارات لعدة رؤساء أميركيين بدءا من جيمي كارتر وحتى بوش، لكن أوباما أشار إلى رئيس أميركي سابق فوق الجميع وهو جون كينيدي، حيث استرجع أوباما تركيز كيندي «ليس على إحداث ثورة مفاجئة في الطبيعة البشرية ولكن إحداث تطور تدريجي في المؤسسات البشرية».
ودعا أوباما في خطابه أيضا إلى المزيد من العقوبات الدولية المشددة ضد دول مثل إيران وكوريا الشمالية اللتين تتحديان مطالب المجتمع الدولي لهما بتقليص برنامجيهما النوويين.
كما تطرق أوباما إلى وضع حقوق الإنسان في الصين -بعد أن تعرض لانتقادات منذ أسابيع لعدم التحدث بصورة أكثر علنية حول الدفاع عن حقوق الإنسان في الصين- حيث قال إن الدبلوماسية الهادئة كانت في بعض الأحيان أكثر الطرق المثمرة «حتى لو كانت تفتقد النقاء».
كان حفل استلام أوباما للجائزة الحدث المحوري في سلسلة من الأحداث التي تحتفي بدخول السيد أوباما إلى قائمة الحاصلين على جائزة نوبل. ومساء الخميس الماضي، ظهر الرئيس وزوجته السيدة ميشيل أوباما من نافذة الفندق الذي ينزلان به حيث لوَّحا لآلاف الأشخاص المحتشدين لتحيتهما.
علت أصوات الأبواق حين بدأ أوباما السير على ممر طويل في طريقه للمنصة حيث سيلقي كلمته، وكانت تصحبه زوجته -التي اتخذت مقعدها في الصف الأمامي- قبل أن يصل هو إلى مكانه على المسرح ويواجه ملك وملكة النرويج.
وتحدث رئيس نوبل السيد ثوربيورن ياغلاند في الافتتاح حيث شرح كيف توصلت اللجنة إلى قرارها قبل شهرين بمنح الجائزة للسيد أوباما الذي قال إن قيادته كانت «دعوة إلى العمل بالنسبة لنا جميعا»، كما استحضر قصة الدكتور كينغ الحائز على الجائزة عام 1964، ملتفتاً إلى السيد أوباما قائلاً «حلم الدكتور كينغ أصبح حقيقة». وحين تسلم أوباما الميدالية الذهبية وشهادة الجائزة وقف جمهور الحاضرين يصفقون لمدة تجاوزت الدقيقة وبعدها لم يقفوا مجددا حتى انتهى من كلمته.
جاءت كلمة أوباما في مجملها رزينة لم يقاطعها سوى تصفيق بشكل متقطع ولقي تصفيقا كبيراً حين عاد للتأكيد مجدداً على تعهده بإنهاء التعذيب وإغلاق مقر الاحتجاز في القاعدة الأميركية في غوانتانامو بكوبا.
وقال أوباما «نحن نفقد أنفسنا عندما نتنازل عن المُثل التي قاتلنا للدفاع عنها. نحن نكرم تلك المُثل من خلال التمسك، ليس فقط حين يكون الأمر سهلا، ولكن عندما يكون صعبا».
لم يتطرق أوباما إلى الحديث عن تفاصيل إعلانه الأسبوع الماضي بإرسال 30 ألفاً من الجنود الإضافيين إلى أفغانستان، ولكن هذا القرار -الذي تسبب في خروج أعداد كبيرة من المتظاهرين المسالمين- كان يحدد الإطار الذي عاد إليه أوباما مرارا وتكرارا في سعيه لشرح سياسته كامتداد لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية التي احتوت الحرب الباردة.
وقال أوباما «مر عقد من الزمن في القرن الجديد، وهذا البناء القديم يميل تحت وطأة تهديدات جديدة. ربما لم يعد العالم يهتز من احتمال نشوب حرب نووية بين القوتين العظميين، ولكن الانتشار النووي قد يزيد من خطر وقوع كارثة. ظل الإرهاب لفترة طويلة تكتيكاً، ولكن التكنولوجيا الحديثة تمكن عددا قليلا من الرجال يحملون قدرا كبيرا من الغضب بقتل الأبرياء على نطاق مروع».