يشكك البعض في وجود السحر وحقيقته ، فلا ينبغي عندهم أن يكون له وجود أصلاً ، ويرده
البعض الآخر ويكذبون الأحاديث الصحيحة التي تبين أن النبي صلى الله قد سحر على يد
يهودي وفي مقالنا التالي نحاول أن نبين ما ينبغي على المسلم اعتقاده في هذا الشأن ،
ونبين أيضاً ما عليه عامة أهل العلم من حقيقته السحر ووجوده ، فنقول : ورد لفظ
السحر ومشتقاته في أكثر من ستين موضعاً في القرآن الكريم في سبع وعشرين سورة من
ذلك: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا
كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}
الآية رقم 102 من سورة البقرة
وقوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا
أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ
عَظِيمٍ} الآية رقم 116 من سورة الأعراف والآيات بعدها
وقوله تعالى :
{فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ
سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} الاية رقم 18 من
سورة يونس
وآيات كثيرة ورد فيها ذكر السحر من سور هود والحجر والإسراء و
طه والأنبياء والمؤمنون والفرقان والشعراء والنمل والقصص وسبأ والصافات وص وغافر
والزخرف والاحقاف والذاريات والطور والقمر والصف والمدثر والفلق وقبل ذلك في
المائدة والأنعام ..
وورد ذكر السحر في الأحاديث
النبوية الصحيحة
منها الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا
:يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا
بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتم ، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات
المؤمنات).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجلٌ من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم ، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخيل له أنه كان يفعل الشيء وما فعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة ، دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ، ثم دعا ، ثم قال : يا عائشة إن الله أفتاني فيما
استفتيته فيه ؟! جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والأخر عند رجلي ، فقال الذي عند
رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل ؟ قال مطبوب قال:
من طبه ؟ قال لبيد بن الأعصم ، قال في أي شيء ؟ قال: في مشاطة ، قال وجب طلعه ذكر ،
- والمشاطة: الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه ، وقوله (وجب) هو دعاء
طلع النخل ، وهو النشاء الذي يكون عليه
قال : فأين هو ؟ قال :في بئر ذي
أروان
قالت : فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ثم
قال يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس
الشياطين
قالت : فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته ؟ قال :لا ، أما أنا فقد
عافاني الله و كرهت أن أثير على الناس شرا فأمرت بها فدفنت ) متفق عليه واللفظ
لمسلم
فالسحر له وجود وحقيقة وهو باطل
حرام وكبيرة
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى : الصحيح أن
للسحر حقيقة ، وبه قطع الجمهور وعليه عامة العلماء ، ويدل عليه الكتاب والسنة
الصحيحة المشهورة
قال المازري : جمهور العلماء على إثبات السحر وأن له
حقيقة ، ونفى بعضهم حقيقته وأضاف ما يقع منه خيالات باطلة ، وهو مردود لورود النقل
بإثبات السحر ، لأن العقل لا ينكر أن الله قد يخرق العادة عند نطق الساحر بكلام
ملفق أو تركيب أجسام أو مزج بين قوى على ترتيب مخصوص ، ونظير ذلك ما يقع من حذاق
الأطباء من مزج بعض العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب
نافعا)
وبهذا يتبين بطلان قول من قال : إن السحر لا حقيقة له ولا وجود ،
وأيضاً بطلان قول من أنكر ما ثبت من الآيات والأحاديث الدالة على وجود السحر ووقوعه
، وأنه حقيقة لا مجال للشك فيها ، فضلاً عن نكرانها . نسأل الله السداد في أمرنا
كله ، وأن يهدينا سبل السلام ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين