تكلف فيلم "استراليا" الذى قامت ببطولته نيكول كيدمان استرالية الأصل وأخرجه
"بازلورمان" ما يزيد على 130 مليون دولار، ويدور حول حكاية حب بين سيدة أرستقراطية
وأحد رعاة الماشية.
ويحاول الفيلم من خلال هذه الحدوتة التقليدية رد الاعتبار لسكان استراليا
الأصليين، الذين تعرضوا لسياسة الاستيعاب بعد عزلهم عن بيئة عاشوا فيها قرونا
طويلة، وفى الحكاية أيضا تفاصيل من الحرب العالمية الثانية وتحديدا العدوان
اليابانى على بعض المناطق الاسترالية.
و "بازلورمان" مخرج استرالى موهوب اشتهر عالمياً بأفلام ساحرة تكشف عن عالمه
الخاص مثل "
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]" ، ولكنه يبدو فى فيلم "استراليا" حائراً وعاجزا
عن المزج بين عناصر الخيال وعناصر الواقع الخشن.
كما أنه فشل فى تعميق أى خط من خطوط حكايته بما فيها قصة الحب الأساسية التى
ظهرت هزيلة بالمقارنة بالخط العاطفى فى أفلام ملحمية شهيرة من طراز "تيتانيك" و
"ذهب مع الريح"، أما فى "استراليا" فإن اللقاء بين "سارة آشلى" التى لعبت دورها
"نيكول كيدمان" و بين الراعى المغامر الذى قام بدوره "هيوجاكمان" ظل باهتا وغير
مقنع.
لقد جاءت "سارة" إلى استراليا لكى تضبط زوجها الثرى الذى يمتلك مزرعة ضخمة
للأبقار تحمل اسم "فاراوى داونز"، بعد أن سمعت بتعدد علاقاته النسائية، وعند وصولها
تلتقى بعالم جديد غريب، ويستقبلها الراعى الشرس الذى يتعارك فى الحانات ويعمل فى
المزرعة
وتكتشف أيضا أن زوجها قتل بسهم غادر، وأنها تورطت فى إدارة مزرعة ضخمة يحاول رجل
شرير اسمه "فليتشر" بيع أفضل أبقارها لرجل أعمال ثرى منافس، وتدخل المزرعة فى نوع
من التحدى لنقل 1500 رأس من الماشية لمسافة مليون فدان حتى تباع فى صفقة ضخمة للجيش
الاسترالى.
وهكذا يبدو الخط الرومانسى باهتا وسط المغامرات الصحراوية الطويلة التى برعت
الكاميرا فى متابعتها، كما يدخل على هذا الخط حكاية الطفل الصغير "نولا" الذى ينتمى
إلى السكان الأصليين، والذى يرعاه جده "كنج جورج" عاشق السحر والتعاويذ.
ومع نجاح كل هؤلاء فى نقل الماشية، وإقامة "سارة" مع الراعى الخشن ينتهى الجزء
الأول لندخل إلى فيلم آخر، فالطفل "نولا" أصبح ابنا بالتبنى لـ "سارة".
والفتى الشرير "فليتشر" مازال يتآمر لكى يحصل على مزرعة "فاراوى داونز" وكأنها
المزرعة الوحيدة فى القارة، ولذلك سيلجأ إلى إبلاغ السلطات للقبض على الطفل "نولا"
ونقله مع مئات من أطفال السكان الأصليين إلى جزيرة نائية وفقاً لسياسة الاستيعاب
العنصرية.
وبالمصادفة تتعرض الجزيرة لقصف القوات اليابانية أثناء الحرب العالمية الثانية،
ويصبح على "سارة" والراعى والجد الساحر إنقاذ الطفل وهو ما سيحدث بطريقة ساذجة،
ورغم أنه من المفترض أن "نولا" سيعود إلى أسرته البيضاء المكونة من "سارة" وصديقها
الراعى، فإنه سيختار أن يعود إلى جده العجوز، وينتهى الفيلم بعبارات مكتوبة تتحدث
عن اعتذار رئيس الوزراء الاسترالى رسمياً عام 2008 للسكان الأصليين عن سياسة
الاستيعاب التى ألغيت نهائياً.
على مستوى الصورة كان هناك تفوق واضح فى استغلال مفردات الأماكن المفتوحة ليلا
ونهارا، وهناك مشاهد لاتنسى نفذت ببراعة مثل مشهد مطاردة قطعان البقر الهاربة
لمنعها من السقوط من منحدرات شاهقة.
أما التشخيص فكان متواضعاًَ رغم اجتهاد "نيكول كيدمان" ولكن الشخصية التى أدتها
بدت سطحية وبدون تفصيلات تفسر سلوكها وتحولها من الحياة الناعمة إلى الحياة الخشنة،
وظلت مشكلة الفيلم الكبرى فى تأرجحه بين عالم السحر والخيال الذى يجسده "نولا" وجده
العجوز وبين عالم الواقع الذى نشاهده فى عالم المزرعة وفى تطورات الحرب العالمية
الثانية، فالقضايا كثيرة والحكايات متشعبة والشخصيات تتحرك هنا وهناك،والمشاهد يتوه
ويفلت منه خيط الأحداث!.