حاولت كثيراً أن أمنع نفسي من الكتابة في هذا الموضوع الشائك وذلك لأني أدرك معنى
انتقاد التدين الظاهري المستفحل بينا كمصريين.
وفي البداية أود فقط أن أوضح أن الأمر لا يتعلق بالتعميم على الإطلاق كما اتهمني
البعض في مقالات سابقة كنت قد كتبتها منتقدا بعض
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المصري، وهذه نقطة أخرى تؤلمني بشدة
هي أننا جميعا نعرف مواطن الضعف والخلل التي أصابت مجتمعنا ولكننا نهاجم و بشدة كل
من حاول ان يتكلم في هذا الشأن ونحاول ان نتكتم على هذه الامور، وكأن العالم من
حولنا أو من خالطنا كمصريين يعصب عليه اكتشافها
حاولت في المقالات السابقة أن اجمل بعض الأمور التي أرى انها أصبحت سلبيات رهيبة
تحط من قدرنا وشأننا بين الأمم ونحن أبناء حضارات متعددة أثرت العالم كله وأنارته
بمعارفها وعلومها، إلا أن إحدى أشد هذه السلبيات تأثيراً في نفسي هي التدين الشكلي
الذي وصم مجتمعنا وأصبح متناقضا بصورة فجة للغاية مع الاخلاقيات السيئة التي نعاني
منها يوميا
وسأحاول هنا ان أعرض - من وجهة نظري – بعض مظاهر هذا التدين الشكلي لعلنا نقف مع
انفسنا ونراجعها عسى ان نتسق مع ما يعتمل بداخلنا وأن يكون ما يظهر للناس هو ما
بداخلنا
الحجاب
من أقسى مظاهر حالة الازدواجية الدينية والاخلاقية الرهيبة التي يعاني منها
مجتمعنا، هو ذلك الارتفاع الهائل في نسبة المحجبات مع وجود اخلاقيات في غاية
الانحطاط، قنوات فضائية دينية يشاهدها الملايين وحالات اغتصاب وتحرش لا تعد ولا
تحصى .. فهل منع ارتداء الحجاب تلك الاخلاقيات؟ بل هل هو حجاب بالفعل أم مظهر
اجتماعي لا بد منه؟
في كتابه الرائع "ثقوب في الضمير" قسم الدكتور احمد عكاشة - استاذ الطب النفسي -
أنواع ارتداء الحجاب من حيث المنزع الى:
1- انسانة استطاعت ان تتطهر في سلوكها العام وتحتاج الى نوع من الانتماء الى
الشعائر الدينية فهي تتحجب وتمارس الشعائر الدينية بمعناها الصحيح وهي الصورة التي
نتمنى أن تسود في مجتمعنا.
2-وهناك من ترى انها لن تتزوج الا اذا تحجبت
وبالتالي فهي مجبرة على ذلك والدليل ان مثل هذه النوعية تقوم بخلع الحجاب يوم
زفافها وربما تعود او لا تعود اليه بعد الزواج .. فقد ادى الغرض وانتهى الأمر.
3-وهناك حجاب التمويه وتهدف صاحبته الى اخفاء سلوكها الحقيقي الذي سيرفضه
المجتمع "المتدين" اذا ما عرف عنها ذلك ومثل هذه النوعيات نراها ترتدي قطعة من
القماش التي تظهر من الشعر اكثر ما تخفي وترتدي ملابس لا تتناسب مع ما يسمى بالحجاب
الموضوع على رأسها.
4-وهناك من تلجأ للحجاب لأسباب اقتصادية مثل ضعف تكاليف
ارتدائه وما يستتبعه من ملابس اخرى وليس استنادا الى شعور ديني او قناعة.
أمر آخر يغيظني بشدة وهو ان تسمع البعض يضعون على تليفوناتهم المحمولة "رنات"
لجزء من دعاء او آيه بصوت شيخ او غيره .. وعادة ما تكون "الرنة" عالية للغاية
وطويلة ويصر صاحب التليفون الا يغلقه او يرد الا اذا سمع الجميع "الرنة" الى آخرها
.. ولن أعلق على من يفعل ذلك .. فقط ارجوكم ان تراقبوا بعضهم اذا ما صعدت الى
السيارة او المترو فتاة او امرأة!!
وليس معنى هذا أني أشجع من يستمعون إلى الأغاني في المواصلات العامة بصوت مرتفع
ومزعج او من يضعون رنات صاخبة يصرون على إسماعها للجميع "بالعافية".. فهذا أيضا
تعدٍ على حريات وحقوق الآخرين
رمضان والصيام
الى الآن لا افهم سر ربط المصريين بين سرعة الغضب والذي قد يتطور الى سباب
بالدين وعراك رهيب - خاصة في المواصلات العامة - خلال شهر رمضان بدعوى ان "البيه
صايم" .. اليس هذا تناقضا غريبا؟ كيف يصوم شخص ما عن الحلال - فضلا عن الحرام–
ويثور لأقل شيء خلال صيامه؟ هل هذا صيام؟ هل يقبل الله مثل هذا النوع من الأعمال؟
واذا كان الامتناع عن التدخين سبب ذلك الغضب .. اليس من الأجدى ان نحاول قهر هذه
العادة الغبية او حتى على الأقل ان نكظم غضبنا ليخلص صيامنا .. لقد تحول هذا الأمر
أيضا الى عادة صارت لصيقة بنا كمصريين.
التحرش الجنسي والاغتصاب
وهو ما لن أمل من تكرار الحديث فيه، في دولة يدعى أغلب أهلها انهم قوم متدينون
ويتابعون فضائية الناس او غيرها، فيما نسمع ونقرأ كل يوم عن حادثة اغتصاب بشعة وصلت
الى اغتصاب الاطفال والحوامل !! وارجو منكم ايضا –لمن لا يزال يستخدم مواصلاتنا
العامة غير الآدمية- ان يراقب عيون من حوله اذا ما وقف أحدهم الى جانب امراة ما،
والله إني لأشعر ان الكل يحسده ويتمنى ان يقف مكانه واذا ما صدرت منه اي حركة او
اشتكت منه المرأة، و تشعر وكأن الركاب "المتدينون" يكادون يقتلون الرجل انتقاما منه
على انه اخذ مكانهم بجانب الفتاة، لماذا لا نغض ابصارنا عما حرم الله ؟ لماذا نقول
وننصح وننهى ونحن داخلنا خرب يحتاج الى قرون للإصلاح؟
كيف يمكن ان يقول الاخوان المسلمون مثلا اننا نمر حاليا بجيل الصحوة ؟ اي صحوة
وأي مجهود ذلك الذي يبذل ولا يوجد له أي نتاج في مجتمع اصبح الحصول على البانجو فيه
وتدخينه في سهولة الحصول على سيجارة؟ مجتمع لا تأمن فيه على زوجتك او ابنتك ان تسير
وحدها في الطريق دون أن تسرق مصوغاتها او يتحرش بها احدهم؟ اي صحوة في مجتمع ازادت
فيه معدلات الجريمة من كل نوع ؟ أي صحوة في مجتمع يهرب افراده من دفع تذاكر المترو
او المواصلات العامة ليعود ليصلي العشاء في منزله؟ أي مجتمع متناقض هذا؟
الفرانكو أراب
اشعر بغيظ شديد وانا اشاهد البعض –خاصة الشباب- وهم يستعملون ألفاظا اجنبية في
معرض حديثهم باللغة العربية وكأنما أصبح التحدث بالعربية - وهي لغة القرآن الكريم -
او حتى العامية المصرية عيبا وسبة.
هل لا يحوز الاحترام الا شخص لا يستخدم هذه الطريقة العجيبة في لي اللسان او
ترقيق بعض الحروف واضافة بعض الكلمات الاجنبية "وياريته بينطقها صح".
لماذا لا نكون مثل الفرنسيين مثلا واللذين لا يتخاطبون مع احد الا بلغتهم فقط
اعتزازا بها واكبارا لحضارتهم وتاريخهم –والذي لا يقارن بالطبع بالحضارة والتاريخين
العربي والاسلامي .. ندعي أننا احفاد حضارة كانت تحكم أكثر من نصف العالم في وقت ما
ونفخر بالرازي وابن النفيس وابن فرناس وغيرهم ونحن نشعر داخلنا بالخجل اذا لم ننطق
بكلمة اجنبية خلال حديثنا مع بعضنا؟
المغالاة في المهور
وقرأت لأحد الزوار مثالا آخر يوضح لنا حجم التناقض الذي يعيشه مجتمعنا وانقله
بالنص حفظا لحقه "فها هو الاب الذى يعترض على زواج ابنته من شاب بسيط ومؤهله متوسط
لأنه لا يملك سوى عمل متواضع وبعض النقود القليلة، وهو نفسه -أي الأب- الذي يذهب من
أجل أن يخطب فتاة ذات مؤهل عال لابنه الذي يحمل مؤهلاً متوسطاً ولا يملك شيئا
سواه!!! وها هي الأم التي تعترض على الشبكة التى قدمها خطيب ابنتها لان ثمنها لا
يتعدى الخمسة الاف جنيه، هى نفسها التى تناهض وبقوة جشاعة واستغلال اهل خطيبة
ابنها لاتهم يبالغون فى طلباتهم المادية دون مراعاة للظروف السيئة للشباب والغلاء
المستمر للمعايش !!! ونفس الاخ الذى يعارض خلوة خطيب اخته بها خيفة ان يمسك يدها او
ان يسرق منها قبلة - هى ليست طبعا من حقه – هو نفسه الذى ما يلبث ان يختلى بخطيبته
او صديقته حتى يفعل معها ما يشاء !!!"
الخطاب الديني .. والسياسة
ولماذا نذهب بعيدا، فحكومتنا نفسها مصابة بالداء نفسه حيث تناقض ما تدعي انها
قوانين صيغت لحفظ المجتمع .. الم يدعو شيخ الأزهر الى الذهاب للانتخابات مؤكدا أنه
واجب ديني وان من لا يفعله يأثم في وقت دعت فيه قوى المعارضة الى المقاطعة .. اليس
هذا هو نفسه استخدام الدين في السياسة والذي اعتقل بموجبه عدد من جماعة الاخوان
المسلمين لاستعمالهم الشعارات الدينية خلال انتخابات مجلس الشعب؟
القمامة و غيرها
لا يمكن ان نكون متدينين بالفعل ونحن نعيش وسط هذا الكم الهائل من القمامة والتي
لا تتزايد الا بسبب سوء تسيير البعض لأمور حياته، فلا نزال نلقي ببواقي الطعام في
القمامة ولا نزال نسرف في استهلاك رغيف الخبز ولا نزال نستكثر على جامع القمامة عدة
جنيهات بسيطة شهريا ونفضل ان نراها تتراكم من حولنا جالبة لنا و لأولادنا عشرات
الأنواع من الحشرات والأمراض .. ونعود لنقول انها مسئولية الدولة فقط .. بالطبع لا
.. هي مسئولية مشتركة .. فلو ان كل ام علمت ابناءها الا يلقوا القمامة او اكياس
الساندويتشات في الشارع والا يبصقوا والا يقضوا حاجتهم في الطرقات لما اصبحت بلدنا
من اقذر الدول واكثرها تلوثا بين الدول العربية - وربما الافريقية.
وقبل ان يرد البعض ويقول أني لا ادرك قيمة الجنيهات الثلاثة التي يأخذها جامع
القمامة بالنسبة لأسرة فقيرة أقول ان هناك حلاً آخر بأن ياخذ كل منا قمامته ويلقيها
في اقرب صندوق قمامة لمنزله .. اليس هذا افضل من ان تلقى في المراحيض او من نوافذ
المنازل او من السيارات ؟
وختاما .. فهل هي بلدنا التى يمكن أن نفخر بها ؟.. هل هذه هي مصر الحبيبة ؟ مصر
التي ذكرها الله تعالى في كتابه وامتدح رسوله الكريم اهلها .. كيف لنا ان نرضى ان
تصبح بلدنا بهذا السوء والانحطاط .. عندي يقين لا يتزعزع ان ما نعانيه من استهتار
الحكومات المتعاقبة بقيمتنا الانسانية ما هو الا مردود لتصرفاتنا وأفعالنا .. فمن
أعمالنا سلط الله علينا هذه الحكومات المتعاقبة التي أذاقتنا الهوان وعرفنا معها
معنى الذل وجعلت الشباب يفقدون انتماءهم لبلدهم ويشعرون انها ملك لأمثال تجار
الحديد والاسمنت والسلاح والمواد الغذائية .. ولو ان كل منا بدأ بنفسه واهل بيته
لانصلح الحال ولكن .. هل من مجيب ؟