يتميز المطبخ الصحراوي بالمغرب بالبساطة والبعد التام عن التعقيد، نظراً لما
تفرضه البيئة الصحراوية القاسية، والترحال المستمر، من الاقتصاد في استعمال الماء،
ووجود عدد محدود من الأواني المخصصة للطهو.
حتى إن هناك وصفات تطبخ عن طريق دفنها في الرمال الحارة، دون استعمال أي آنية.
إلا أن هذه البساطة لا تلغي انفراد وتميز المطبخ الصحراوي بأكلات صحية ولذيذة،
قوامها لحم الإبل ودقيق الشعير.
تقول يعمار الغديفة، رئيسة الطبخ التقليدي في إحدى الجمعيات النسائية التي تهتم
بالتراث الصحراوي، إن المطبخ الصحراوي غني بالوصفات الصحية التي لها خصائص علاجية،
إلى جانب مكوناتها المغذية للجسم، ومن بين أشهر الوصفات نجد «الطبيخة»، وهي أكلة
سهلة، تحضر بلحم الإبل المطهو في الماء مع إضافة الملح وقليل من السمن فقط، دون أي
نكهات أو توابل، وعندما تنضج تقدم ساخنة.
وتعتبر أكلة «مارو اللحم» من أشهر الأكلات الصحراوية، وتوضح الغديفة أن «مارو»
هو الأرز، ولتحضير هذه الوصفة يطهى لحم الإبل في الماء مع الملح وقليل من السمن،
وعندما ينضج اللحم يرفع من الطنجرة أو القدر، ويصب الأرز في مرق اللحم ويترك حتى
ينضج، وعند التقديم يسكب الأرز في الطبق، وتوضع فوقه قطع لحم الإبل.
وتقول الغديفة إن هذه الأكلة يطلق عليها أيضا اسم «مارو الوداع»، لأنها الأكلة
التي تحضر بسرعة للمسافر قبل وداع أهله، ونظراً لمكوناتها الغذائية الغنية لا يشعر
هذا المسافر بالجوع إلا بعد مدة طويلة.
وهناك وصفة أخرى تسمى «مارو الحوت»، أي الأرز بالسمك، وهي شبيهة بـ«البايلة» على
الطريقة الصحراوية، وتحضر بنوع من السمك يسمى «الكردي»، وعدد من الخضراوات مثل
الجزر والقرع (الكوسة) والملفوف والباذنجان، حيث يطهى السمك مع الخضار، ويسلق الأرز
جانباً، ثم يقدم بنفس طريقة مارو اللحم، أي بوضع السمك والخضار فوق الأرز. وتؤكد
الغديفة أن هذه الأكلة موريتانية في الأصل.
أما «الغالية» فهي أكلة محضرة من الكرشة، أي من الأحشاء، التي يضاف إليها البصل
والطماطم والحمص والزيتون والزبيب والأبزار والملح والزيت.
ومن أهم الأكلات الصحراوية نجد أيضا «تدكيت»، وتعتمد على لحم الإبل المجفف على
حرارة الشمس بعد تقطيعه على شكل حبال رقيقة تسمى «التشطار»، ويتم تحضير هذه الوجبة
عن طريق سحق اللحم المجفف وطهوه مع شحم السنام «الذروة»، وتعتبر أكلة مكلفة ليست في
متناول الجميع.
لا يقتصر المطبخ الصحراوي على الوجبات المحضرة باللحم، بل هناك عدة أنواع من
الأطعمة التي تعتمد على دقيق الشعير مثل «البلغمان»، ويعد من الوجبات الرئيسية لدى
سكان الصحراء، ويتم تحضيره بمادة دقيق الشعير المجفف على النار، ثم يطحن ويوضع في
إناء خاص يسمى «الكدحة»، أي القدح، ويمزج بالماء الساخن والسكر وقليل من الملح، ثم
يضاف إليه الذهن كما يسمى عند أهل الصحراء، أي السمن أو الزبد أو زيت الزيتون.
ومن بين أصناف الطعام التي تحضر بدقيق الشعير، بنفس طريقة «البلغمان» مع
اختلافات بسيطة، نجد «الزميت»، و«مريفيسة» و«كلية»، و«بوشيبة»، و«لبسيس» و«الرغيد»،
وتتناول هذه الأطعمة ضمن جبة الفطور، كما ينصح بتناولها لمن يعاني من أمراض في
المعدة، وتصلح هذه الوجبات في أيام الحر الشديد نظراً لقدرتها على مقاومة
العطش.
ويستعمل الصحراويون الكسكس أيضاً لتحضير بعض الوصفات، وهناك نوع يسمى كس*
«المخامس»، ويحضر بخمسة أنوع من الدقيق، وهي: القمح، والذرة، والشعير، والدقيق
المقلي، والدقيق الأبيض. حيث يفتل ثم «يفور»، أي يطهى على البخار، ويقدم مع اللحم،
دون خضار.
وتؤكد الأبحاث أن لحوم الإبل تحتوي على قيمة غذائية عالية، وهي أفضل من لحوم
الأبقار والأغنام؛ نظراً لقلة الدهون فيها، ولذلك فهي مفيدة للحماية من أمراض
القلب، وتخفيض نسبة الكوليسترول في الدم.
ولا يستخدم الصحراويون لحم الإبل في تحضير الوصفات التقليدية المذكورة فقط، بل
أيضاً في إعداد مختلف وصفات الطاجن المغربي، مثل طاجن اللحم بالبرقوق المجفف
والمعسل، أو طاجن اللحم بالخضراوات الموسمية، أو غيرها من الوصفات العصرية.