توم كروز يغير جلده، ويثبت أنه ممثل قدير يستطيع أداء كل الادوار ببراعة واتقان،
وها هو في فيلمه الجديد "عملية الاغتيال الفاشلة" يبهر الجميع بشخصية صعبة ومركبة،
ويمثل واحدا من أحلى أدواره بعين واحدة!.
والفيلم تدور أحداثه فى شهر يوليو عام 1944، حين قاد مجموعة من الضباط الألمان
محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم النازى أدولف هتلر والانقلاب عليه، وانتهى الأمر
بالقبض عليهم وإعدامهم بعد محاكمة سريعة، وأضيفت هذه المحاولة لأربع عشرة محاولة
سابقة معروفة فشلت جميعها فى التخلص من زعيم الحزب النازى الذى أدخل وطنه والعالم
فى محنة قاسية، ولم يستسلم حتى اللحظات الأخيرة لينتحر مع عشيقته إيفا براون فى
برلين عام 1945.
وعن هذه المحاولة الفاشلة، وقائدها كلاوس فون ستافنبرج الذى كان يشغل وقتها قائد
أركان جيش الاحتياط الألمانى يدور الفيلم الأمريكى المثير فالكيرى الذى قام ببطولته
توم كروز وأخرجه برايان سينجر.
وعنوان الفيلم هو اسم عملية الاغتيال الفاشلة، والتى كان مبررها - من وجهة نظر
القائمين بها - الخوف على ألمانيا التى توالت عليها الهزائم فى شمال أفريقيا وفى
الجبهة الروسية الشرقية.
أما الضابط ستافنبرج الذى قام بدوره
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فقد أقسم يمين الولاء لـ هتلر مثل كل الجنود فى الجيش
الألمانى، ولكنه سرعان ما أحس أن الكارثة قادمة.
وبسبب تذمره واعتراضه على ما يراه تم إرساله ليلتحق بإحدى فرق الدبابات فى تونس،
وهناك فقد ذراعه وعينه وإصبعين من أصابع يده الباقية، ورغم إصابته الخطيرة التى
جعلته يضع عصابة طوال الوقت فوق عينه، إلا أنه لم يتوقف عن التفكير فى التخلص من
هتلر، وساعدته الظروف عندما أصبح قائد أركان جيش الاحتياط الألمانى، وكان رأيه أن
اغتيال هتلر وحده لا يكفى، فلابد أن يستكمل الأمر بانقلاب عسكرى تسيطر من خلاله
الخلية المتآمرة على العاصمة برلين، ومنها تُصدر أوامرها بإيقاف الحرب، وإعلان
الهدنة مع الحلفاء.
الفيلم الذى يعتمد على التفصيلات الواقعية للعملية فالكيرى يستخدم ببراعة كل
أدوات وإمكانيات السينما لتقديم بناء مشوق يجعل من الصعب أن تغمض عينيك لمتابعة
عملية إعداد القنبلة التى توضع فى حقيبة يدخل بها قائد الأركان إلى مقر هتلر ثم
يتركها فى هدوء بعد أن يبلغه أحد معاونيه تليفونياً باستدعاء عاجل.
وتتحرك بعدها بقية عناصر تنفيذ العملية فالكيرى وهى عملية أعدت أصلاً لحماية
الفوهرر بانتشار القوات فى برلين خلال ست ساعات فقط، ولكن ستافنبرج نجح فى تعديل
الخطة بإشراك جيش الاحتياط فى تنفيذها واستخدامه فى القبض على أفراد الجستابو بعد
اتهامهم زوراً باغتيال الزعيم الألمانى.
ومن خلال المونتاج الخلاّق، ينجح كل مشهد فى إثارة توتر المتفرج وصولاً إلى
مفاجأة النهاية بنجاة هتلر، ونجاحه بمساعدة قواده مثل هيملر وجورنج و جوبلز فى
اصطياد المتآمرين والقبض عليهم، ثم إعدامهم جميعاً ليصبحوا أبطالاً فى نظر كثير من
الألمان لأنهم من القلائل الذين أنقذوا سمعتها، وتحدوا عنصرية هتلر.
كروز أدهشنا بقدرته على التعبير عن انفعالات مختلفة بعين واحدة فقط، ولكن البطل
الحقيقى للفيلم هو السيناريو المتماسك حيث يسلمك كل مشهد إلى المشهد التالى.
ثم يأتى دور كل العناصر الفنية الأخرى خاصة التصوير الذى تلاعب بالظل والنور
لرسم أجواء المؤامرة، فالضابط شاب يدخل تدريجياً إلى الظلام كلما تورط أكثر فى
إعداد التفاصيل.
وهناك دائماً مونتير متمكن هو جون أوتمان قام أيضاً بإعداد الموسيقى التصويرية،
وعرف كيف ومتى يقطع ليحول كل مشهد تقريباً إلى حدث مشوق لا تعرف كيف سينتهى، وقبل
هؤلاء مخرج شاب من الواضح أنه درس جيداً أفلام التشويق، ويعرف تماماً أنه لا يحتاج
إلى المزيد من التعمق فى حياة شخصياته، فكل ما يريد أن يقوله إنهم كانوا شجعاناً
خاصة قائدهم ستافنبرج وانهم فعلوا ما فعلوه من أجل وطنهم بعد أن توصلوا إلى أن هتلر
عدو ألمانيا ومدمرها وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك.
لقد أرادوا تغيير التاريخ، ولكن الظروف جعلتهم يكتفون بشرف المحاولة، وبقى من
الحكاية مؤامرة شديدة الذكاء تصلح وقائعها لفيلم من أكثر الأعمال التى يمكن أن
تراها إثارة وتشويقاً.